منوعات

تعرف علي .. شيخ الأزهر الذي تحدى الملك

 

سعة الأفق و جلال الخلق و عظمة النفس ، صلابة في الحق و إباء للضيم هي اهم صفات الشيخ الجليل عبد المجيد سليم . ولد الشيخ عبدالمجيد سليم في قرية ميت شهالة قرب مدينة الشهداء بالمنوفية في ١٣ أكتوبر العام ١٨٨٢ ، أتم حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة جدا ، ودرس في الأزهر حيث أتيح له أن يتتلمذ على يد الإمام محمد عبده ، وأن يستمع إلى دروسه في التفسير والبلاغة، وقد أعجب بالإمام واعتبره مثله الأعلى في حسن الفهم وسعة الاطلاع وبلاغة التعبير . و أثناء دراسته في الأزهر الشريف أظهر نبوغا و تفوقا لا مثيل له ، حتى أنهم أطلقوا عليه “ابن سينا” لقدرته على التفلسف والعلم . ولم يكد الشيخ عبدالمجيد سليم ينال درجة العالمية ، حتى اختير مدرسا للفقه والأصول بالأزهر و سرعان ما وصل صيت الشيخ عبدالمجيد سليم العلمي إلى عاطف بركات باشا ناظر مدرسة القضاء الشرعي، فاختاره هو و زميل دفعته الشيخ مصطفى عبدالرازق على صغر سنهما لتدريس الفقه والأصول ورشح هو والشيخ المراغي لتولي منصبي الإفتاء ومشيخة الأزهر في وقت واحد، حيث قام بترشيحهما مصطفى النحاس باشا في وزارته الأولى العام ١٩٢٨ ، و اختار الشيخ عبدالمجيد سليم لمنصب المفتي و استقر على اختيار الشيخ المراغي شيخا للأزهر .

و للشيخ الجليل مواقفه المأثورة و المشرفة و التي تعكس مدى شجاعة الشيخ الجسور و جهره بالحق ، لا يخشى فيه لومة لائم ، لنستعرض بعضها عليكم :

  • فتوته الصريحة للملك فؤاد الأول :
    من مواقف الشيخ المشرفة أن الملك فؤاد حاول أن يستبدل بعض ممتلكاته الجديبة الجرداء ، بأرضاً مخصبة من أملاك الأوقاف وتلمس الفتوى الميسرة من الشيخ عبد المجيد ،فأعلن الشيخ في وضوح ساطع أن الاستبدال باطل لأنه لايجوز لغير مصلحة الوقف .

  • الشيخ عبد المجيد يتحدى الملك فاروق !!
    ذات مرة تلقى الشيخ الجليل سؤالا عن شرعية إقامة الحفلات الراقصة و كان ذلك بعد حفلة أقامتها إحدى الأميرات وحضرها الملك فاروق، ونشرت بعض الصحف صورها، وقد أدرك عبدالمجيد سليم من المقصود بالفتوى، لكنه لم يؤثر السلامة و واجه المخطيء ، وأصدر الشيخ الجليل فتوة بحرمة هذه الحفلات و نشرت المجلة الفتوى مؤيدة بالأدلة الشرعية ، وحدثت الأزمة بين الملك والمفتي .

  • الشيخ عبد المجيد يتحدى الحكومة و القصر الملكي :
    ترك الشيخ عبدالمجيد سليم منصب الإفتاء احتجاجا على تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخا للأزهر لأنه لم يكن عضوا بهيئة كبار العلماء و هو شرط أساسي للتعيين و لإدراكه أن القصر يناويء الوفد بالشيخ مصطفى عبدالرازق وفي تلك الأثناء استدعى النقراشي باشا رئيس الوزراء آنذاك فضيلة الشيخ عبد المجيد وحاول إغراءه بالمال !! و قد كان للشيخ مبلغ كبير من المال يصل الى عدة آلاف من الجنيهات بوزارة الأوقاف و هي مكافأة علمية لقيامه على مشيخة الأحناف بالأزهر لفترة طويلة، لكن تلك المكافأة كانت مجمدة لعدة سنوات لاعتراض المالية على أن يجمع الشيخ بين راتبين في وقت واحد، فعرض النقراشي على الشيخ سرعة صرف المكافأة المجمدة إذا وافق على تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق ، فغضب الشيخ غضبا شديدا في وجه النقراشي و قام بالانسحاب الفوري دون استئذان ، فلما أتمت الحكومة تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخا للأزهر صمم الشيخ سليم على الاستقالة .

  • موقف الشيخ من الحكومة حينما ضغطت ميزانية الأزهر :
    ضغطت الحكومة ميزانية الأزهر، وغضب الشيخ سليم، وقال عبارته المشهورة : “هنا تقتير و إسراف هناك” وكان الملك وقتها يقضي عطلته الصيفية باستراحته في كابري في إيطاليا، فقامت الحكومة بإعفاء الشيخ من منصبه في سبتمبر عام ١٩٥١ بدعوى اتهامه بنقد الملك وسياساته، ولكن سرعان ما أعاده الملك فاروق الى منصبه في مشيخة الأزهر بعد شهور قليلة في فبراير ١٩٥٢ .

⭕ موقف الشيخ عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر من ثورة 23 يوليو 1952 ..

▪️كان للشيخ عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر موقف حاسم من ثورة 23 يوليو وقد ترتب عليه تقديم استقالته من المشيخة للمرة الثانية في ١٧ سبتمبر ١٩٥٢، اي قبل أن ينقضي شهران على قيام الثورة، وذلك بسبب ما أعتبره تدخلًا في شئون الأزهر من رجال الثورة وذلك من خلال فرض أشخاص بعينهم على الشيخ كان لا يراهم أهلًا للقيادة، ورشحتهم حكومة الثورة للمناصب المرموقة ليكونوا حسب تصورها أداةً لتنفيذ ما تشاء بعيدًا عن منطق القانون، ولكن الشيخ عبدالمجيد سليم شيخ الأزهو رفض كل تدخل في الأزهر وتقدم باستقالته ..

▪️حاول السيد «فتحى رضوان» الوزير المسئول عن الأزهر فى تلك الفترة، ان يثنيه عن الاستقاله ولكنه أصر على موقفه ..

▪️وبدلا من أن يُشكر للرجل غيرته علي الأزهر الشريف وعلي أستقلاليته ، سارع المنافقون والانتهازيون الذين يأكلون على كل مائدة فملؤوا الجرائد سوادا بنقده وأنه معارض للحق ويقف في وجه عهد التحرير والحرية، ولكن يأبي الله إلا أن يأتي إنصافه من خارج مصر ..

▪️حيث كتب مراسل أجنبي مقالا تحت عنوان «شخصية الأسبوع» في جريدة (البروجريه دايمنش)، أشار فيه إلى مقترحات الشيخ بشأن ما يراه في الإصلاح ومعارضته لما يُملى عليه من أمور لا تتفق والصالح الأزهري، كما قالت الجريدة ما نصه: «إن الشيخ عبدالمجيد سليم يتمتع بثقة الغالبية من رجال الدين وكبار العلماء، وهو معروف بالتقوى والورع، وما حاول قط أن يفيد لنفسه، إذ جعل همه الأول مصلحة الأزهر قبل مصلحة الأفراد، ومن أجل ذلك كافح في سبيل إنقاذ هذه المؤسسة الدينية، وهو لا يخشى إلا الله، ولا يساوم على كرامته ولذلك يستحق كل تقدير» ..

▪️أضافة الي موقفه هذا، فقد كان أيضا ضد القوانين التي أصدرتها حكومات الثورة الأولي، حيث أصدرت عدداً من القوانين كان هدفها إبطال نظام الوقف وبدأت بالقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ الذي نص على حل الأوقاف الأهلية وتوزيع أصولها علي المستحقين كل بحسب نسبة ما يستحقة من الريع ..

▪️كما كان ضد قانون الإصلاح الزراعي وكان سببا في تهديده بعزلة لأنه أعلن عدم مشروعية «قانون الإصلاح الزراعى» وقال إذا كانت الحكومة تريد إنعاش الفقراء فليكن ذلك إما برفع قيمة الضرائب أو باستحداث سياسات جديدة تفتح استثمارات جديدة تستوعب البطالة والفقر، أما مصادرة «الأصول» من أصحابها فذلك عمل غير مشروع، وكان ضباط الثورة فى تعجل وإصرار فأصدروا قانون الإصلاح الزراعى رغم عدم وجود برلمان، ورغم عدم موافقة الأزهر، فإعترض شيخ الأزهر الشيخ عبدالمجيد سليم وقدم استقالته لكنهم عجزوا عن إيجاد بديل له فكل من يصلح رفض أن يتولى المنصب بعد استقالة الشيخ عبدالمجيد ..

فطالبته حكومة الثورة بالاستقالة إذا أصر على موقفه ، فقدمها طواعية دون تردد أو أسف .
و يلقى الشيخ الجليل ربه في ٧ اكتوبر عام ١٩٥٤ م ..
رحم الله الشيخ الجليل الجسور .
الله يرحمه ويغفر له 🌹🌹🌹

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل مانع الاعلانات